مهارة إدارة الوقت ومهارات التنظيم
يمكن تعريف إدارة الوقت (Time Management) بأنها عملية تخطيط وممارسة التحكم في الوقت الذي يقضيه الشخص البشري في إنجاز المهام الكثيرة، بهدف زيادة فعاليته وكفاءته وإنتاجيته. وبكلمات أخرى، يمكن القول إن إدارة الوقت هي الطرق والوسائل التي تعيّن الفرد على الاستفادة القصوى من الزمن المتاح له ليحقّق أهدافه وطموحاته. ويقول الأديب والكاتب الفرنسي جان دو لا برويار (Jean de La Bruyère) في هذا السياق: «إنّ أولئك الذين يسيئون استخدام وقتهم هم أوّل من يشكون من ضيق الوقت». ومن المسائل التي أظهرت الأبحاث نقصًا فيها هي إدارة الوقت، إن كان بالنسبة إلى المتعلّمين أو المعلّمين أنفسهم. مع العلم أنّ القيّمين على العمليّة التربويّة يدرّسون هذه المهارة في دورات تدريبيّة منفصلة على شكل ورشة عمل تركّز فقط على هذه المهارة. فكيف يمكن بناء إنسان يحسن إدارة وقته في أيّ مجال كان، لا سيّما من كان يمارس العمليّة التعلُّميّة التعليميّة؟
ممّا نعانيه في وطننا الحبيب وفي قسم كبير من مؤسّساتنا التربويّة عدم إيلاء الأهميّة لهذه المهارة التربويّة. لذلك، تقوم ال BBS بدورات تدريبيّة مستمرّة لمعلّميها لتكسبهم مهارة إدارة الوقت. وهذا ما نأمل في مؤسّستنا أن ينعكس إيجابًا على سير العمليّة التربويّة في مختلف ركائزها. ومن ضمن هذه الركائز المتعلّم نفسه الذي يعتبر الأساس في العمليّة التعلُّميّة. حيث بيّنت بعض الدراسات أن هناك علاقة ارتباطية بين إدارة الوقت وتنظيمه وبين التحصيل الدراسي. وتعمل مؤسّستنا على جعل المتعلّمين مفكّرين نقديّين أقوياء ليتمكّنوا من اتّخاذ القرارات السليمة في حياتهم، لا سيّما لمواجهة الصعاب التي قد تعترضهم في المستقبل. ولزيادة إنتاجيّـهم التعلُّميّة بهدف تحقيق طموحاتهم القصوى.
ولأنّ الإنسان أولويّتنا، ولأنّنا لا نميّز، لقد التزمنا أيضًا باستهداف ذوي الاحتياجات الخاصّة، وأعددنا مؤسّستنا بالتجهيزات اللازمة لنلبي احتياجاتهم. وسنعمل في المستقبل القريب على المهارات الحياتيّة الأساسيّة مثل إدارة الوقت والإدارة الذاتيّة والتواصل السليم معهم.
وانطلاقًا من هذه المهارات سيتمكّن المتعلّم في مؤسّساتنا التربويّة من اكتساب مختلف المهارات الحياتيّة مثل التفاوض والاستماع والاتصال والإدارة الذاتيّة وأخلاقيّات العمل والعمل والبيئة. ولأنّ المتعلّم هو في طور اكتساب تقنيّة إدارة الوقت لن يجد صعوبة في اكتساب أيّ مهارة أخرى كالمهارات الرقميّة الحديثة مثلاً مثل استخدام التكنولوجيا والمعدّات ووسائل الاتصال لأغراض العمل، والإنترنت، ومحرّكات البحث وتقنيات البحث، وكتابة التقارير والمراسلات. فضلاً عن مهارات ريادة الأعمال: مثل الخطوات الأوليّة لإنشاء وإدارة مشروع، وإعداد السيرة الذاتية، والقوانين، وأساليب تمويل المشاريع، وحساب المخاطر، وتنظيم مكان العمل. وهذا ما سينتج في المستقبل القريب إنسانًا نشطًا وفاعلاً في مجتمعه، ما سينعكس حتمًا في بناء مُواطَنَة صالحة تؤثّر إيجابًا في حياة الوطن.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الإدارة الفعالة للوقت تعود على المتعلّم نفسه بالعديد من الفوائد، من أهمّها الانضباط، حيث إن تنظيم الوقت يجعل الطالب أكثر انضباطًا وحرصًا على تنفيذ جميع المهام في وقتها المحدد وعدم تأجيلها، إضافة إلى تقليل التوتر، حيث إنّ التنظيم الجيّد للوقت يقلّل من حدوث التوتّر في كثير من الأحيان. ولعلّ هذا ما نحن أحوج إليه في مجتمع يعاني من الضغط النفسي ما يعانيه. وهذا بدوره سينعكس إيجابًا على البيئة المدرسيّة الحاضنة للمتعلّم في ال BBS؛ وبالتّالي تزداد اللحمة العائليّة والمجتمعيّة بين المتعلّم ومحيطه العائلي – الإجتماعي. ومن الفوائد أيضًا تحقيق الأهداف بشكل سريع وعدم تأجيلها، وتخصيص أوقات معينة للعمل عليها.
وهذه المسألة لا تلاحظ بشكل مباشر بل تنعكس بشكل غير مباشر على نمط الحياة الذي تعيشه البيئة التعلّميّة التعليميّة بعناصرها كافّة، فيتمكّن المتعلّم من الاستمتاع بأجواء المدرسة والأنشطة المدرسية، وذلك لوجود وقت إضافي في جدوله الزمني بسبب حسن إدارته للوقت. وهذا ما يسمح أيضًا للمعلّم بأن يعمل من دون أن يشعر بثقل ضغط العمل إذا أحسن هو أيضًا إدارة وقته في عمله التربويّ.
ونتطلّع إلى المتعلّمين الذين يتدرّبون على اكتساب وإكساب مهارة إدارة الوقت بأن يصبحوا أكثر انتاجيّة في المستقبل القريب. وهذا ما سيسمح لهم بأن يتشاركوا في برامج الدّعم النفسي للمتعلّمين الذين يعانون
اليوم من عدّة ضغوط نتيجة لما يتعرّضون له من جرّاء الأزمات التي تعصف في بلدنا لبنان. ناهيك عن الأزمة الوبائيّة العالميّة التي تركت تداعياتها النفسيّة في المتعلّم اللبناني بشكل خاصّ.
ونعمل أيضًا في خطوة متقدّمة جدًّا في مؤسّساتنا على القضاء على مصادر إهدار الوقت في إدارة مؤسّساتنا التربويّة.
ومن المهمّ مشاركتنا لخبراتنا التعلميّة في عمليّة إدارة الوقت مع مجتمعنا المدرسي. فلقد تبيّن لنا بعد التجربة أنّ المجتمع التعلّمي التعليمي الذي هو في طور اكتساب مهارة إدارة الوقت يكتسب بشكل غير مباشر مهارات أساسية لا تقلّ أهميّة عن مهارة إدارة الوقت وهي: التنظيم، والأولوية، والتخطيط. فمهارة التنظيم جعلت المتعلّم في ال BBS على دراية بالمهام اللازم إتمامها وتوقيتها. أمّا مهارة الأولوية فمكّنت المتعلّمين والمعلّمين والإداريّين من تقييم المهام وترتيبها في أولويات، بناء على معايير مختلفة، مثل: الصعوبة، والتعقيد، وطول المهمة، والموعد المحدد لإنهائها، وغيرها. ومهارة التخطيط التي تعتبر الركن الأساسي لإدارة الوقت، تمّ من خلالها تحديد الأهداف المراد تحقيقها وإيجاد البدائل الممكنة عند مواجهة الصعوبات.
ولتسهيل خطوات إدارة الوقت ندرّب المتعلّمين اليوم على استخدام عدّة طرق من خلال تطبيقات مختلفة بإمكان المتعلّم والمعلّم على السواء الاستفادة منها. ومن أبرز آثار حسن استغلال الوقت للمعلم ما يلي:
- تحضير وتلخيص الدروس مسبقًا والإعداد لها مع الأمثلة بما يسهل فهمها لدى الطلاب.
- التنسيق بين الحصص الدراسية بحيث ينتهي بوقت مبكر من التدريس.
- يسمح استغلال الوقت الجيد للمعلم بوضع الخطط التي يمكن من خلالها ترتيب الأولويات بالتدريس.
- يتيح استغلال الوقت بالشكل الأمثل للمعلمين بأن يجدوا وقتاً إضافياً لإجراء استطلاعات الرأي والاستبيانات للطلاب للوقوف على قدرتهم المعرفية والجوانب التي تهم مجال التعليم.
- يمكّن استغلال الوقت للمعلم بأن يبدأ بإعداد الدورات الخاصة بعد دوام المدرسة بحيث يحقق دخلاً إضافيًّا إلى جانب مرتبه الشهري، وذلك إحساسًا منّا بمساعدته في هذه الأزمات الصعبة التي نمرّ بها.
إنّ مهارة إدارة الوقت ومهارات التنظيم لدى المتعلّمين هي من صلب المهام التربويّة التي نوليها شأنًا في مؤسّساتنا. وذلك لأنّ الإنسان هو الهدف التعلّمي الذي نضعه نصب أعيننا منذ لحظة التزامنا بالتعليم كمهنة ” الرسالة” التي لا ترتبط بأيّ بُعْدٍ أهمّ من البعد الإنساني – الإنساني. هذا تطلّعنا كمؤسّسة تربويّة؛ على أمل أن نستطيع الإستمرار في رسالتنا المقدّسة هذه خدمة للإنسان الذي نذرنا حياتنا لأجله.