أهميّة التعلّم الإجتماعي العاطفي وتأثيره الإيجابي في نمو الطفل أكاديميًّا، واجتماعيًّا ونفسيًّا

أهميّة التعلّم الإجتماعي العاطفي

 

لا يمكن بعد اليوم خوض غمار مهنة التعليم من دون إيلاء الشأن للمحيط الحيوي الاجتماعي للمتعلِّم، ومن دون الاهتمام بالجانب العاطفي عنده. من هنا برز مصطلح “التعلّم الاجتماعي العاطفي” وهو العملية التعليميّة التي تؤدّي إلى تطوير الذكاء العاطفي. بمعنى آخر، يعني مساعدة المتعلِّم على فهم وإدارة عواطفه وكيفيّة تأثيرها في خياراته وقراراته للتوصّل إلى تكوينه نظرة إيجابيّة في الحياة، وذلك لتنميته أكاديميًّا واجتماعيًّا وعاطفيًّا ونفسيًّا.

ولا يزال التَّعَلُّم الاجتماعي والعاطفي كلمة طنّانة مهمّة. فلوحظ مثلا أنّه عندما يستغرق المعلّمون بعض الوقت لرعاية كلّ من التطور التعليمي والاجتماعي والعاطفي للمتعلّم، يتحسّن التقدم الأكاديمي، وتتناقص القضايا السلوكية في الصف عامّة. لا سيّما مع ما نعانيه اجتماعيًّا في أزمة COVID-19 التي غيرت حياة العديد من المتعلّمين بطرق مرهقة. من هنا، “سيظلّ التَّعَلُّم الاجتماعي والعاطفي ضرورة لتحقيق رفاه المتعلّمين. ويتمّ تنمية المهارات الاجتماعيّة – العاطفيّة الأربع: النمو، والكفاية الذاتية، والإدارة الذاتية، والوعي الاجتماعي في المدارس تعزيزًا للصحة النفسية لدى التلامذة” . [1]

يبقى أنّه بعد تحديد ماهيّة التَّعَلُّم الاجتماعي والعاطفي يجب تحديد الفئة المستهدفة من المتعلّمين، لا سيّما وأنّ ال BBS تضمّ شريحة واسعة من مختلف الأطياف في المجتمع اللبناني. وهذا ما يوسّع الحيّز الاجتماعي لدى المتعلّمين، ما يؤدّي إلى اتّساع البيئة المجتمعيّة للمتعلّم؛ وهذا بدوره قد يفاقم الاشكاليّات الاجتماعيّة التي قد تترك تداعيات عاطفيّة ونفسيّة في أعماق المتعلّم، قد تطال لاوعيه التربوي فتؤثّر في قراراته الأكاديميّة لا سيّما من الناحية الانتاجيّة. ولعلّ هذا ما قد يدفع المتعلّم إلى سوء الخيارات وبالتّالي نكون قد دفعناه بأيدينا إلى التسرّب المدرسي، ليتحوّل إلى إنسان غير منتج اجتماعيًّا، مع ما قد يعانيه من اضطرابات نفس- إجتماعيّة.

يمكن تحديد ثلاث فئات لتدخلات التعلم الاجتماعي والعاطفي على النحو الآتي:

  • البرامج الشاملة التي تُقدم عادة في الصف الدراسي من خلال دروس الارشاد والتوجيه التي تقدّم في الصفّ للمتعلّمين.
  • البرامج الأكثر تخصصًا الموجّهة نحو الطلبة ذوي الاحتياجات الاجتماعية أو الانفعالية الخاصة.
  • الأساليب التي تُطبق على مستوى المدرسة لتطوير الأخلاقيات المدرسية الإيجابية التي تهدف أيضًا إلى دعم زيادة المشاركة في التعلم.

ولأنّنا خصّصنا قسمًا للإرشاد والتوجيه والعناية النفسيّة والعاطفيّة، يهمّنا في الBBS  الإضاءة على هذا الموضوع من باب اهتمامنا منذ أكثر من عشر سنوات في المرحلة الابتدائيّة بتحقيق الدمج إضافة إلى إدخال ساعة إرشاد وتوجيه أسبوعيّة من ضمن المنهج المقرّر في البرنامج الأسبوعي. وذلك للحديث عن موضوعات مختلفة مثل: كيفيّة إدارة الخلافات، والصداقات، والتنمّر، والسيطرة على المشاعر والعواطف والأحاسيس، والغيرة وكيفيّة السيطرة عليها، والتعاطف مع الآخرين. إضافة إلى المادّة كمادّة نظريّة لقد نجحنا في الBBS بإضافة قسم تطبيقي لها لتنمية التعلّم الإجتماعي والعاطفي، حيث قمنا مرّة بنشاط أطلقنا عليه تسمية frienship day  تخلله بيع منتجات بهدف ان تشتريها الفئة المستهدفة لإعطائها لمجموعة من الأصدقاء؛ عملاً بالمبدأ الجبراني للعطاء كما ورد في كتاب النبي للمفكّر جبران خليل جبران في نصّ العطاء: ” جميل أن تعطيَ من يسألك ما هو في حاجة إليه،

ولكن أجمل من ذلك أن تعطي من لا يسألك وأنت تعرف حاجته، فإنّ مَن يفتح يديه وقلبه للعطاء يكون فرحه بسعيه إلى مَن يتقبّل عطاياه والاهتداء إليه أعظم منه بالعطاء نفسه. بمثل أيدي هؤلاء يتكلم الله، ومن خلال عيونهم يبتسم على الأرض.”

هذه هي الابتسامة التي نجحنا بزرعها في مجتمع الBBS، ونسعى بكلّ ما أوتينا لنقلها إلى الحيّز المجتمعي الأوسع، أي المجتمع المدرسي الذي يضمّ الأهل والبيئة الحاضنة للمتعلّم في مدرستنا.  كذلك، استطعنا تحقيق ” يوم التضامن” حيث قام المتعلّمون بالتعبير عن قبول الآخر بالرّسم؛ وذلك بهدف تقبّل الآخر المختلف في الوطن العربي عامّة، وفي لبنان خاصّة، وبوجه أدقّ في مدرستنا.

كما قمنا بحملة حول “التنمّر السيبراني” للمدرسة كلّها من خلال محاضرة توعويّة تمّ عرض فيها بعض الحالات العالميّة وشرح مفاعيلها بالتفصيل. واستطعنا الدخول إلى العمق العاطفي للمتعلّمين ليشعروا بمدى الأذيّة النفسيّة التي قد يتسبّب بها المتنمّر للشخص الذي يكتب عنه ما يسيء إليه. وهذا ما سمح بالتعاطف الذكي مع الآخر حتّى لو اختلف عنّا.

كذلك خصّصنا يومًا سميناه KINDNESS DAY فزرنا مع طلابنا دارًا للعجزة حيث خاضوا التجربة ميدانيًّا، فشعروا مع هذا الآخر الإنسان، وتمكّنوا من الدّخول إلى العمق الإنساني لهذا الشخص المحتاج للعطف والحنان والعناية والرعاية. فتشاركوا مع القيّمين على هذه الدار الاعتناء بالعجزة الموجودين فيها، ما جعلهم يتعاطفوا معهم إنسانيًّا من دون أيّ شعور بالشفقة التي تؤذي الشخص أكثر ممّا تثلج قلبه. فنجح طلاب ال BBS بإدخال البسمة إلى قلوب هذا المجتمع الضيّق بحجمه والواسع بحنانه.

نحن فريق عمل من ثلاثة مرشدين نفسيّين في ال BBS، نعمل على قاعدة العمل الفريقي بالتعاون مع المعلّمين في المدرسة، نهتمّ بالهالي  والمتعلّمين على السواء،  حيث نقوم بتحضير المادّة العلميّة ونقدّمها لأساتذة المواد ليتمّ توظيفها من ضمن الحلقة التعلّميّة – التعليميّة. وهكذا يستطيع المعلّم الدخول في عمليّة علاج تشاركي مع القيّمين في فريق العمل الإرشادي بهدف تقديم التعلّم الاجتماعي والعاطفي بشكل أفضل، خدمة لمتعلّم ومدرسة ومجتمع أفضل.  فضلاً عن تشاركنا مشاكلنا وخبراتنا التعلّميّة – التعليميّة مع مستشارين محلّيّن وأجنبيّين.

خبرتنا في الارشاد والتوجيه عمرها 17 سنة في هذا المجال، وهذا ما جعلنا متمكّنين من قدراتنا التعليميّة، إضافة إلى إنشائنا مكتبة مهمّة في هذا المجال في رحاب ال BBS تضمّ كتبًا في الإرشاد النّفسي موضوعة بتصرّف المعلّمين كلّهم ليتمكّنوا من تطوير  مهاراتهم النفس – إجتماعيّة والنفس – عاطفيّة، بمساعدة المشرفين على قسم الارشاد والتوجيه في  ال BBS وذلك بالتعاون المطلق مع الهيئة التعليميّة في مدرستنا بأفرادها كافّة.

يبقى أنّنا نتطلّع في ال BBS إلى التوصّل حتّى مرحلة المتابعة التقنيّة من قبل المعنيّين المفترضين في المؤسّسات الحكوميّة للتحقٌّ من أهليّة العمل الذي نقوم به؛ فالمطلوب أن يكون هنالك  سلطات تربويّة مباشرة من الدولة لوضع القوانين لمتابعة الحالات ولوضع الأنشطة التي تتواءم معها.  مع العلم أنّنا استطعنا انطلاقًا من خبراتنا المتواضعة أن نجري تقييمًا ذاتيًّا دوريًّا لطبيعة ولنتائج عملنا في مدرستنا وهذا ما مكنّنا من تصحيح الأخطاء والهفوات التي وقعنا بها عبر السنين. فاستطعنا مثلا إضافة تقنيّة  المسح من خلال الاستطلاعات عبر قائمة من الأسئلة تهدف إلى استخراج بيانات محدّدة من مجموعة معينة من الناس.

ونتطلّع اليوم إلى إجراء دراسة على 400 متعلّم في موضوعات يتعاطون معها بشكل يوميّ لا سيّما بعد تغيّر منهجيّة وطبيعة الحياة اليوميّة للأطفال وللشبيبة على أثر التبدلات الاجتماعيّة التي طرأت في أزمة كورونا. وذلك عبر دراسة التأثيرات التي تنتج عن شبكة الانترنت والألعاب الالكترونيّة والأفلام وغيرها من القضايا الإلكترونيّة التي باتت في صلب الحياة اليوميّة للمتعلّم اللبناني.

هذه الأطر تحدّد وتصف الكفايات المتقاطعة أو المستعرَضَة التي تعتبر ضروريّة لاقتصاد المعرفة وجودة المُوَاطَنَة المطلوبة في القرن 21، وهي تشير إلى الإبداع والابتكار، فضلاً عن إمكانية دمجها مع كفايات التفكير النقدي، وحلّ المشكلا،ت ومهارات الاتصال، والتعاون، والمعلومات. فأمام الواقع اليوم تطرح إشكاليّة جديدة مفادها : ما الذي استفدناه  في أزمة كورونا من مواد تعليمية كالريضيات والعلوم وغيرها من المواد التي تعتمد على التلقين وتبتعد عن مفاهيم الأنسنة؟